تسعى المملكة العربية السعودية إلى أنْ تصبحَ لاعبًا عالميًا في صناعة الفضاء، حيث تنجزُ استثماراتٍ مهمّةً في مجال الأبحاث وتكنولوجيا الأقمار الصناعية التي ستساعد في تعزيز علاقاتها مع الدول التي تعمل في الفضاء. ومع توسّع الصناعة لتشمل دولاً جديدة وشركات خاصة، ترى المملكة العربية السعودية أنَّ استكشاف الفضاء جزءٌ من تحوّلها إلى اقتصادٍ مستدامٍ قائمٍ على التكنولوجيا ومن شأنه أن يحفّز الاستثمار الأجنبي ويعزز الآفاق الاقتصادية لمواطنيها. ويعدّ توقيع الرياض في يوليو 2022 على اتفاقية استكشاف القمر والمريخ بقيادة وكالة ناسا أحدث دليلٍ على التزام المملكة باستكشاف الكون واستثماره.

شهدتْ صناعة الفضاء تحولاتٍ جذريةً منذ أيام الاستكشاف الأولى، حينما كان الاستثمار في تكنولوجيا الأقمار الصناعية والصواريخ مدفوعًا إلى حدًّ كبيرٍ بمنافسة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. واليوم، يوجد أكثر من 70 دولة لديها برامج فضائية نشطة، والشركات الخاصة، بما في ذلك المقاول الأمريكي لوكهيد مارتن Lockheed Martin والملياردير إيلون ماسك  Elon Musk's SpaceX  مؤسس شركة سبيس إكس، وقد عجّلت الاستثمار في تكنولوجيا الفضاء. وتقدّر قيمة هذه الصناعة الكبيرة بـ 424 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى تريليون دولار في الإيرادات السنوية بحلول عام 2040، وفقًا لمحللي سيتي جروب. وسيرد جزءٌ كبيرٌ من الإيرادات من الشركات الخاصة التي تشغّل الأقمار الصناعية، وتتيح أنظمة الملاحة والتنبؤات الجوية وخدمات الهاتف وحتى عمليات السحب من أجهزة الصراف الآلي.

وقد أّدَّى دخول لاعبين جدد من القطاعين العام والخاص إلى الصناعة إلى تغيير وجه ما يُعرف باسم "دبلوماسية الفضاء". ويوفر استكشاف الفضاء والمشاركة فيه فرصًا للبلدان للتعاون في العلوم والتكنولوجيا، ويخلق التآزر بين دولهم ويبني العلاقات بين الناس. كما أنَّه يوفّر وسيلةً يمكن للدول من خلالها مواصلة العمل معًا في أوقات الخلاف. ونظرًا لأنَّ العالم أصبح أكثر اعتمادًا على تكنولوجيا الأقمار الصناعية مع إطلاق الصواريخ على نحوٍ متكرر، ستؤدي الدبلوماسية دورًا رئيسًا في إدارة المنافسة وتعزيز التعاون في الكون.

سعت المملكة العربية السعودية، مثل الدول العربية الأخرى بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة، إلى تسريع تطوير صناعتها الفضائية وإبرام شراكات فضائية مع الولايات المتحدة ودول أخرى. وأعلنت المملكة العربية السعودية عام 2020، عن استثمار بقيمة 2.1 مليار دولار لتطوير صناعة الفضاء بحلول عام 2030. كما وسعت المملكة منذ ذلك الحين إلى جعل استكشاف الفضاء سمة رئيسة في علاقاتها الاقتصادية الثنائية. وفي أثناء اجتماع اللجنة السعودية الإيطالية المشتركة في يونيو 2022، وقّع الطرفان اتفاقية مدتها خمس سنوات لتعزيز تبادل المعلومات والتقنيات والخبرات الفضائية. وفي الشهر التالي، في اجتماع الاستثمار السعودي الكازاخستاني، ناقشت البلَدان كيف يمكن أن تساعد أستانا (العاصمة) في تطوير برنامج استكشاف الفضاء في المملكة.

وعلى وجه التحديد، في أثناء زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المملكة العربية السعودية في تموز، وقّعت هيئة الفضاء السعودية اتفاقيات أرتميس التابعة لوكالة ناسا، المشروع الذي تقوده الولايات المتحدة بهدف إرسال البشر إلى القمر مرة أخرى بحلول عام 2025. وكانت المملكة العربية السعودية الدولة الحادية والعشرين التي وقعت على الاتفاقية. والرابعة على مستوى الشرق الأوسط بعد الإمارات والبحرين وإسرائيل. ومن خلال الانضمام إلى الاتفاقات، تنضم الرياض إلى مجموعة النخبة من الاقتصادات الصناعية التي تحركها التكنولوجيا، بما في ذلك كوريا الجنوبية واليابان وسنغافورة. ويمكن لدبلوماسية الفضاء مع هذه الدول أن تقدّم فرصًا جديدة في الصناعة وغيرها.

أصبحت المملكة العربية السعودية الدولة الحادية والعشرين الموقعة على اتفاقيات أرتميس ، في 14 يوليو 2022. (المصدر: ناسا)

ونظرًا لأن المملكة تنوّع اقتصادها بعيدًا عن النفط في إطار خطة رؤية 2030 الخاصة بها، فإنه يمكن أن يساعد استكشاف الفضاء في تحويل تجارة المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة بعيدًا عن الطاقة والدفاع نحو قطاعات أكثر إبداعًا. وبهذا المعنى، فإن اتفاقيات أرتميس، التي هي واحدة من 18 اتفاقية تمَّ توقِيعها خلال زيارة بايدن إلى المملكة العربية السعودية، والتي تمثّل رغبة الرياض في إقامة علاقة اقتصادية أوسع مع واشنطن. كما يمكن أن يساعد المملكة العربية السعودية على التقدم في المنطقة التي تتسارع فيها صفقات الاستثمار في الفضاء.

اتبعت دولة الإمارات العربية المتحدة، التي أطلقت أول قمر صناعي لها عام 2009 بالتعاون مع مصنع كوري جنوبي، خارطة طريق طموحة لاستكشاف الفضاء وإجراء البحوث. وفي عام 2021، دخل مسبار الأمل الإماراتي في مدار كوكب المريخ، ما جعل الإمارات خامس دولة وأول قطر عربي يدور حول الكوكب بنجاح. وتقود إسرائيل أيضًا برنامجًا فضائيًا طموحًا، إذ تقوم بتخطيط وإنتاج وإطلاق أقمارها الصناعية الخاصة بها في المدار.

مع تزايد المنافسة الإقليمية في صناعة الفضاء، أعلن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود، ولي العهد، عن خطة لزيادة الإنفاق القطاعي إلى ٪2.5 من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2040، ارتفاعًا من ٪0.5 في عام 2020. كما أطلقت المملكة أيضًا برنامج رواد فضاء في سبتمبر 2022، مع خطط لإرسال روّاد فضاء إلى محطة الفضاء الدولية على متن سفينة سبيس إكس.

في وقت سابق من هذا الشهر، أنشأ مجلس الوزراء السعودي المجلس الأعلى للفضاء، الذي سيشرف على برامج الفضاء في البلاد، ويوافق على التخطيط وتنفيذ الاستراتيجية الوطنية. وسيساعد إنشاء هذا المجلس، والزيادة الكبيرة في الإنفاق، إلى جانب الاستثمارات في العاملين في مجال الفضاء، المملكة العربية السعودية على التنافس في الصناعة في حين تطمح نحو مركز دبلوماسية الفضاء.

قد تستغرق عائدات الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية مثل استكشاف الفضاء سنوات إن لم يكن عقودًا لتحقيقها. غير أنه من خلال الاستمرار في إبرام اتفاقيات فضائية مع شركاء جدد ومؤسسين، يمكن للرياض أن تساعد في تسريع تطوير برنامجها الفضائي.